فتاة الميلاد

صباح/مساء الخير





(قبل أن أشرع في الكتابة أريد أن استفتح هذه التدوينة بالتعبير عن حبي العظيم لصديقتي الفنانة 

التي شرفتني بأناملها الجميلة وصنعت لي هذا التصميم
https://www.instagram.com/sleeplessinsaudi/
لها كل الشكر والامتنان)


سبب كتابتي اليوم يعود إلى صدق ما أشعر به والجمال الذي غمرني، النقاء الذي تلبسني والسلام المحيط بي..
يعود إلى ما يحمله قلبي من حب، ورغبتي الملحة في التوثيق والمشاركة 
اليوم يصادف عيد ميلادي، ولأول مرة أحتفل به وألقي له بالاً
وأعلم سلفاً بأن حديثي هذا بالتأكيد سيتجاوز الرمزية المتعارف عليها ليوم الميلاد.

في البداية لم أعر يوماً أي اهتمام لأعياد الميلاد، والأحداث التي على شاكلتها، الأحداث التي تضم نهاية وبداية كالسنة الهجرية/الميلادية الجديدة، فهي لا تشكل أي فارق بالنسبة لي ولا أعلم لماذا لا أستطيع الإحساس بقيمتها.
لكن في الأسابيع الأخيرة دارت أحاديث عميقة ومهمة بيني وبين صديقة عزيزة أكافح معها بؤس العالم، أحاديث من شأنها جعلتني أهجر منتصف علقت فيه كثيرا، لأواجه وأعترف بشكل مباشر وواضح وجليّ بما كنت أكتمه لفترة طويلة ممّا انعكس على عدة مفاهيم وبالتدريج أعاد تلوينها وتشكليها
وبالتالي لبثت أترقب بكل لهفة يومي الموعود منذ آخر قهوة احتسيتها معها.
دقت عقارب منتصف الليل وأعلنت عن وصول يومي. جلبت قطعة كعك صغيرة وزيّنت وسطها بشمعة صفراء اللون لكنها لم تشتعل للأسف لإختفاء الولاعة المفاجئ. فقررت إرجاعها للثلاجة والخلود إلى النوم وتأجيل الاحتفال لاحقاً عندما أستيقظ في الصباح. لكن عند الساعة الثانية فجراً وجدت نفسي أغادر فراشي وأذهب لفتح رسالة خطية كان من المفترض أن أفتحها بعدما أطفأ شمعتي. ويا إلهي عندما فتحتها وقرأتها أدركت بأن لا هدية تعلو على رسالة خطية كتبت عني ومن أجلي، لا يوجد ما يضاهي ويعادل وزن هذه الأحرف العظيمة، وقيمة اللغة المقدسة التي انسكبت باسمي.
هذه الرسالة ورسائل أخرى، خطية كانت أم إلكترونية هي بمثابة عقد من الياسمين الشامي يزين عنقي، أتنفس به وأحيا
في تلك اللحظة عندما انتهيت من قرائتها شعرت بأن هناك جسر ويجب علي أن أدفع نفسي له كي أعبر للضفة الأخرى، شعرت بعبارة لانا:

“I wanna move 
Out of the black into the blue”

في البداية رافقني الحزن أثناء مرحلة العبور، فقد استعرضت شريط حياتي منذ ٤ ديسمبر الماضي إلى ٤ ديسمبر الحالي، ولم يكن استعراضاً جميلاً لأنه قام على سؤال واحد فقط: ماذا فقدت وكم خسرت؟ 
والأجوبة كانت مريرة والأحداث التي تسببت في حدوث هذه الأجوبة عسيرة.
فقد كان هناك يوليو.. شهر يوليو كان الشهر الذي ظننت فيه بأن لا يوجد ما يكفي من الأمل للاستمرار في السير، ولا قوة تكفي للعدول عن الرحيل. تلك الفترة اُحتجزت في مكان لا حياة تدب فيه، لا نسمة تداعب الشجر ولا تغريد طير يعلن الفجر، بل إن الفجر لم يكن له وجود.. كانت هناك فقط ليلة سوداء سرمدية. كل شيء كان على وضع الإعادة فأشعر بأني عالقة، لا شيء يتجدد عدا البؤس والضياع.. فقد كانوا يتجددون بإخلاص.
لكني خرجت من هذه النوبة وتجاوزتها، ودليل تجاوزي هو الوصول والنظر، وصلت إلى تاريخنا هذا ونظرت لتلك الفترة بأنها ذكرى مريرة وانتهت.
كان هناك أكتوبر أيضاً.. آذيت فيه قلباً بسبب حماقة ارتكبتها، حماقة من شأنها جعلت قلبي يتآكل، جعلتني أهرع مباشرة إلى حضن أمي من دون الوقوف على الباب وطرقه كما كنت أفعل في الماضي.
عندما كنت طفلة كنت أطرق باب والداي في منتصف الليل، وفي أغلب الأحيان لا أطرق الباب بكفّي الصغير، بل أجلس بجانبه وأجعل بكائي هو من يطرق عني ليوقظ أباي، وسبب طرقي كان إما لألمٍ في الأسنان أو خوفٍ من أشباح تقبع خلف الستار وتحت السرير. 
قد يكون هذا المنظر معظمنا تشاركناه في طفولتنا أو على الأقل اعتدنا رؤيته كثيراً على الأطفال، لكننا لم نعهده أبداً على الكبار..

بعد هذا الاستعراض الذي قام على سؤال واحد أدركت بأني لازلت طفلة..
أحاول أن أروّض العالم بكفّي الصغير، ولا تكمن الخطورة هنا، بل تكمن عندما تسري مع هذه المحاولة اعتقاد بأن هذا الترويض آمن وسليم وهذا ما ينبغي فعله. وفي هذا الصدد استحضر الآن مقطع من أغنية لمشروع ليلى:

"كان بدّي غيّر العالم 
مش عارف كيف العالم غيرني
كان بدّي أحمل السماء
وهلأ أنجق حامل نفسي"

يا لنبل وطهارة هذه الغاية.. لكنها سترهقه وستستنزف الحياة منه حتى تتجسد على أرض الواقع، وفي الغالب لن تفلح الأمور ولن تتخطى غايته حدود صدره الضئيل المسكين ليصبح في النهاية شهيداً.. فـ"ذو بغية يبتغي ما ليس موجودا"

إني لا أسخط من هذا القدر ولا أنتحب على تلك الأوقات، بل مُمتنة لها فهي من جعلتني ما أنا عليه اليوم، حولتني إلى كائن رهيف شديد الملاحظة والحساسية لكل ما يدور حوله، زادت من تقديري للفن والجمال، للبساطة والعشوائية.


عندما انتيهت من السؤال الأول انتقلت للسؤال الثاني: ماذا كسبت؟ 
ربَاه.. من هنا بدأ صدري يزهر والحزن يتبعثر
لم اكتسب سوى شيء واحد، لكن من بركته حل مكان جميع الأشياء
اكتسبت رفيقي شمس.

وفي النهاية انتقلت إلى السؤال الثالث والأخير: ما هي الأشياء التي لازالت بجواري؟

وعلى عكس أجوبة السؤال الأول، كانت أجوبة مليئة وباذلة باليُسر والأمان، لازالت تؤانسني وتؤازرني
 فتلاشى الحزن تماماً وحل محله السلام والحب. 

ميلادي هذا أفهمني نفسي، وإن كان فهماً قليلا ومحدودا

لأني أؤمن بأن فهم الذات هو أول الخطوات لسلك الطريق، الطريق الذي لا أستطيع اختياره لأني لا أعلم أين تقبع وجهتي
الطريق الذي لا أملك له صوت يرشدني ولا بصيرة توقظني.
هنا أدرك بأن كل ما كنت أحتاجه هو الشعور بالوجود من خلال الحب، بأني محبوبة ومرغوبة
فهذا الشعور هو من أنتج لي السلام، وأتذكر الآن سؤال قد طرحته على شخصين ولعلهم يقرؤونه الآن
سؤالي كان: السلام والحب.. شعورين مرتبطين ويكملان بعضهما؟ أم منفصلين وبالإمكان أن يتحقق شعور من دون الآخر؟
والآن عرفت الإجابة.

كُن بخير واستمتع قارئي