التائه المُتشرد

صباح/مساء الخير

(يفضل قلب الشاشة إلى العرض للحصول على رؤية متناسقة)

ها نحن من جديد
لم نستسلم ولم نتخلى
لازلنا نتسلل لاهثين عن لذة الحياة الحقيقية
فليساعدنا الإله في هذا التسلل، وليكُن نوره ضياء درب التائه المُتشرد.



في الأشهر الأربعة الماضية فقدت فيها صوتي الداخلي
فقدته حتى تراءى لي أن إلهي هجرني وقطعني

ففي سبتمبر كنت كل ما أتطلع إليه هو جواباً لتساؤلي: 
"متى انتهي و أنام؟"

إلى أن بلغت منتصف نوفمبر فكانت كل غايتي هي الوصول:
"أوصلني قبل أن أعبر الخط الرفيع، الخط الذي يفصل بين الحياة والموت
أوصلني.. حبّني و لا تتولّى عني"

لينتهي نوفمبر ويغادر مخلفاً وراءه فوضى وضياع لتصبح تلك الصفحة آخر ما كتبته إلى هذه اللحظة:
"فلم يتبقى بحوزتي سوى دموعي و تناهيدي، طامعةً بسلام العالمين على روحي"


فقداني لصوتي جعلني استثقل كل شيءٍ جميل كنت أبصره، و كل شيء جديد كنت على وشك إبصاره  والاستمتاع به لكنني تجاهلته، فتجاهلت السماء.. تجاهلتها حتى حينما كان الفجر لا يزال متمسكاً بأطرافها ينتظر وصالي لكنني في كل مرة كنت اشيح بوجهي عنه.
تجاهلت حقيقة أن صوت أم كلثوم دخل حياتي و أنه أصبح طرباً و بهجة لمسامعي
(و أعي بحلول الآن أن لم يدخل صوتها وحسب، بل رافق دخولها فتى، و على عكس أم كلثوم لم يكن متباعد الزمان والمكان فهو تحت سمعي وبصري، و لم تجمعنا المعازف والألحان والكلمات فقط، بل جمعتنا الحياة.. )    
تجاهلت أنني أقبلت على مدينة الأحساء، أقبلت على مكان جديد كان بإمكاني أن انولد فيه من جديد، بتكوين علاقات جديدة، استكشاف مقاهي جديدة و متاجر كتب قديمة..
لكنني تجاهلت هذا كله و غيره بسبب غوصي في بحر لا قاع له، بسبب محاولاتي اليائسة المتعددة في إخماد شرارتي و التي مآلها الفشل الذريع
تجاهلت حتى انقلب عيشي إلى لُجّة من السواد.. 
و على الرغم من اني كنت اقضي كل يوم عشرون دقيقة في طرقات المدينة الجديدة المليئة بالعجائب لكن انتهى أمرها بالتجاهل أيضاً باستثناء المقابر.. لم أتجاهلها، بل التفت إليها بحواسي كلها فحلّقت إلى عالم الأموات غير مبالية بما حدث مع إيكاروس، لم اتعظ به فاستمرت بالتحليق إلى أن انحرقت.
أيضاً لم أتجاهل "أخو أحمد عاشور" ذلك الفتى الذي أفجع العالم بموت أخيه، ذلك الفتى الذي علّم حوائط ٥ شوارع متتالية بعبارة "ادعوا بالرحمة على أخي أحمد عاشور" .. فضللت أتساءل ما هذا الحال الذي أوصله إلى أن يجوب جدران الحي شارعاً شارعاً ليطلب الرحمة على روح أخيه؟ 
ثم توقفت عن التساؤل لأنني رأيت بيني و بينه شبهاً، هو يجوب شوراع الحي طالباً من الناس الدعاء لأخيه و انا أجوب بقع العالم طالبة من الله الرحمة و الوصول. 

تلك هي قصة الفتاة التي أظن الآن أني أدركها، و كتابتي لهذه القصة ليس بسبب انقضائها فصوتي لم يعد بعد، لا زلت افتش عنه و اترقب بابي متى يصل. إنما سبب كتابتي هو حقيقة توصلت إليها مؤخراً، و من أجل إنصافها في شرحها تطلّب مني أن أذكر قصتي.
ها انا وقعت في مصيدة الوجود و لا أعلم سُبل النجاة منها و لهذا السبب يا حمقاء لا تنسي أن تعيشي، كُفّي عن التجاهل و استيقظي، لا تنغمسي و تتعلقي كثيراً بأشباك تلك المصيدة، و أعلم سلفاً أن هذا لن يوقف مُقلتاكِ عن ذرف الدموع، و لا عن أصابعكِ التي لا زلت تخفق في إيصال شعورك، و لا عن سهوة عقلك وضعف قلبك، و أعلم أنه ستمرّ أيام لن تستطيعي فيها مغادرة فراشك، لكن لا تتوقفِ عن التشبث بكل ما هو جميل، واسندي كتفاكِ على لطافة الغرباء وتأملي قول لانا في أغنيها Change:

There’s a change gonna come
I don’t know where or when
But whenever it does We’ll be here for it


كُوني بخير واستمتعي ندى
كُن بخير واستمتع قارئي